في عالم يُعدنا فيه النجاح بالفرح، ويَعِدنا المال بالطمأنينة، نجد أنفسنا غالبًا نُطارد شعورًا لا يدوم. لحظة نبلغ هدفًا طالما حلمنا به، تنطفئ النشوة سريعًا، ويولد فينا طموح جديد. لماذا؟ ما الذي يجعل الرضا دائمًا مراوغًا، وكل إنجاز يبدو أقل مما تخيلناه؟
الجواب، في عمقه، لا يعيش في ما نملكه، بل في ما نرغب به. الرغبة ليست علامة على الطموح فقط، بل أيضًا على النقص. البشر مبرمجون بيولوجيًا على عدم الاكتفاء. فعقولنا، منذ آلاف السنين، كانت تبحث عن المزيد لتضمن البقاء. لكن في زمن الوفرة، تحوّل هذا البحث إلى لعنة تُبقينا في دوامة لا تنتهي من المقارنة والتطلّع والتقليل من الذات.
علم النفس يسمّي ذلك "العدّاء اللذّي" أو "الشريط المتحرّك للهِدونية" — حيث يعود الإنسان بسرعة إلى نقطة الصفر بعد كل نجاح، ليطلب المزيد مجددًا. المال، المنصب، عدد المتابعين، حتى الاهتمام العاطفي، كلّها تتحول إلى مؤشرات وقتية نعيد ضبطها بسرعة، ثم نركض من جديد وراء شعور لم يعد كما كان.
وما يُفاقم المعضلة أن إحساسنا بالرضا لم يعد مرتبطًا بحياتنا الواقعية، بل أصبح رهينة لما نرى حولنا. نقارن صورنا الداخلية بمعايير خارجية مصممة بحرفية على وسائل التواصل، ونخسر المعركة سلفًا.
لكن هناك خروج من هذه الحلقة. الحل ليس أن تزيد من إنجازاتك، بل أن تُقلل من رغباتك. أن تُعيد تشكيل مفهوم النجاح في ذهنك، أن تتصالح مع فكرة "الكفاية"، أن ترى نفسك بمعزل عن سباقات الآخرين.
الرضا لا يأتي من الأداء أو الامتلاك، بل من القبول الهادئ لما لديك. ليس استسلامًا، بل انحيازًا للهدوء. فأن تربح ذاتك أهم من أن تربح السباق.
في النهاية، لم نُخلق لنُستهلك، بل لنعيش.