في حوار مع المفكر والكاتب المغربي دريس الجيداني، طُرحت أسئلة جوهرية حول أزمة السلوك المدني في المغرب، خاصة بعد دراسة حديثة تشير إلى أن أكثر من تسعة مغاربة من عشرة يعتبرون مستوى السلوك المدني في الفضاء العام إما "ضعيفاً" أو "متوسطاً". يركز الجيداني في تحليله على أن أزمة المواطنة لا تتعلق بغياب القوانين بل بعدم تطبيقها بشكل عادل، معتبرًا أن إشكالية الإفلات من العقاب تُضعف القيم المدنية يومًا بعد يوم.
يرى الجيداني أن تطبيق القانون بشكل انتقائي يترك فجوات في النسيج المجتمعي، ويقوض فكرة المساواة أمام القانون؛ فحين يتجاهل بعض أفراد المجتمع القواعد العامة مثل إشارات المرور أو الاستحواذ على الملك العمومي دون تدخل حازم من السلطات، تصبح المخالفة قاعدة وصمت الدولة مبررًا للانفلات.
تطرق الكاتب أيضًا إلى دور الأسرة والمدرسة في بناء وعي مدني، مشيرًا إلى أن تحولات المجتمع المغربي من "التقليدي" نحو "المعاصر" أضعفت فعالية هذه المؤسسات في التنشئة على القيم المشتركة. فمع انتقال النموذج الأسري من العائلة الممتدة إلى النووية، وتراجع المدرسة العمومية وظهور التعليم الخاص، فقدت المدرسة دورها كفضاء للتربية على المواطنة.
فيما يخص الحزم في تطبيق القوانين، يستشهد الجيداني بفلسفة ميشيل فوكو حول الرقابة والعقاب، محذرًا من أن المبالغة في الزجر تنتج الطاعة الخائفة لا المواطن الحر الواعي. ويدعو إلى إيجاد وسائل إيجابية لتحفيز المواطنين على السلوك الحضاري، معتبرًا أن المواطنة الحقيقية هي اختيار شخصي نابع من الإيمان بقيم العيش المشترك لا من الخضوع للسلطة.
كما يشير إلى أن غياب العدالة الاجتماعية والتفاوتات الجغرافية يسهمان في انتشار مظاهر اللامدنية، حيث تتحول بعض المناطق المهمشة اقتصاديا واجتماعيًا إلى فضاءات لا تسري فيها قواعد العيش المشترك بنفس القوة. ويعزو الجيداني بعض مظاهر اللامدنية إلى شعور المواطنين بالإقصاء؛ فرفض القواعد العامة يصبح شكلاً من أشكال المقاومة الصامتة.
ولا يغفل الأثر الواضح للفروق بين الأجيال وبين الجنسين في الوعي المدني، إذ تحتل النساء الفضاء العمومي بشكل مختلف ويواجهن تحديات أكبر، بينما يعاني الشباب من تشتت مرجعي بسبب هيمنة وسائل التواصل الرقمي.
وختم الجيداني بالإشارة إلى أن التحولات الكبرى كتنظيم المغرب لكأس العالم 2030 يمكن أن تمثل فرصة استراتيجية لتغيير أنماط السلوك العام، إذا ما تم ربط الرياضة بقيم المواطنة والانتماء، بدل الاقتصار على الحملات الظرفية أو الحلول الترقيعية، مؤكداً على أن نجاح المجتمعات يقاس بقدرتها على صناعة التغيير الجذري لا المؤقت.