أفضل نصيحة نفسية تلقيتها لم تأتِ من طبيب نفسي، بل من أخصائية علاج طبيعي قالت:
في تسع حالات من أصل عشرة، يكون الألم المزمن في جزء من الجسد نابعًا من ضعف في جزء آخر. والحل لا يكون في البحث عن الراحة أو التخدير، بل في تقوية مواطن الضعف.
لسنة تقريبًا، كنت أشعر بألم في ساقي اليسرى كلما حاولت زيادة المسافة عند الجري. حاولت الراحة مرتين وأوقفت الجري لمدة شهر في كل مرة، لكن الألم كان يعود باستمرار. لجأت بعدها إلى تمارين الإطالة اليومية، لكنها لم تحسم المشكلة رغم فائدتها. جرّبت أيضًا حلولًا عديدة: الكمادات، الأحذية الجديدة، المسكنات ... دون جدوى.
أخيرًا، زرت أخصائية علاج طبيعي قامت بتقييم شامل وجعلتني أمارس عدة تمارين، ثم أخبرتني مباشرة: غالبًا سبب ألم ساقك اليسرى هو ضعف في عضلات الساق اليمنى.
فوجئت بذلك. لم أتخيل أبدًا أن يكون الألم سببه ضعف في مكان مختلف. شرحت لي مبدءًا قويًا غيّر نظرتي للصحة الجسدية، وانسحب هذا التحول على الصحة النفسية أيضًا:
عندما يضعف عضل في الجسد، تستعين العضلات الأخرى لتعويض القصور. مع الوقت، تجهد هذه العضلات وتظهر الآلام. في أغلب الأحيان، الألم المزمن في جزء ما دليل على ضعف غير ظاهر في موضع آخر. والحل هو تقوية نقاط الضعف لا تسكينها فقط.
هذا أسقطته لاحقًا على المشكلات النفسية التي لاحظتها في العلاج والتدريب:
– شخص مكتئب يتحسن مؤقتًا بجلسات دعم المشاعر، ثم يعود إلى نمط الاكتئاب لأن جذور المشكلة أعمق.
– آخر يعاني نوبات هلع، يشعر بتحسن مؤقت بفضل الأدوية، لكنه يفقد ثقته بنفسه على المدى الطويل وتشتد الأعراض.
– ثالث يعاني أرقًا طويل الأمد، يتبع روتين نوم معقدًا ويستفيد مؤقتًا لكن المشكلة تعود وتزداد.
هنا الخطأ: الخلط بين العَرَض والمشكلة الحقيقية. غالبًا الجذر هو ضعف في مهارة نفسية أساسية.
أمثلة:
– القلق غالبًا نتيجة ضعف في الجرأة على الرفض وتحديد الحدود. من لا يقول "لا" يجهد نفسه ويسير تحت ضغط دائم. الحل ليس "زاناكس" بل تقوية الجرأة على الرفض.
– الاكتئاب كثيرًا ما ينبع من فقدان البوصلة القيمية، عندما يعيش الإنسان وفق رغبات أو قيم الآخرين. الحل ليس تكرار عبارات تحفيزية بل تقوية معرفة الذات والعمل وفق قيمك الخاصة.
– الأرق غالبًا نتيجة قلق وتوتر. الحل ليس الحبوب المنومة بل تقوية القدرة على مواجهة المخاوف والغموض دون استسلام.
في الكثير من الأحيان، نقاط الضعف تتراكم وتؤدي إلى حلقات مفرغة من الألم، تمامًا كما كان ضعف القدم لدي هو جذور ضعف الساق والألم المستمر في الجهة المقابلة.
الخلاصة أن الألم – جسديًا ونفسيًا – هو رسالة وظيفية تكشف عما يحتاج تقوية داخلنا. التركيز على إيقاف الألم فقط يفوّت عليك فرصة البناء الحقيقي. اسأل نفسك دومًا: "بِمَ يحاول هذا الألم أو الشعور أن ينبهني؟" غالبًا سيكون الجواب: أنت بحاجة إلى قوة لا إلى راحة مؤقتة.
تذكير عملي:
كلما واجهت مشاعر صعبة، جرّب هذا التمرين:
"أنا أواجه صعوبة مع (.........) وهذا مؤشر إلى أنني بحاجة إلى تقوية قدرتي على (..........)"
ليس المطلوب صياغة الجواب بـ"يجب أن أكون أقل قلقًا" أو "أحتاج للاسترخاء"، بل اختيار سلوك محدد يمكنك ممارسته باستمرار، مثل: "تعلم قول لا"، "تذكير نفسي بقيمي"، "إعادة توجيه انتباهي".
أمثلة:
– أعاني من الغضب: ربما عليّ أن أقوّي قدرتي على تعديل توقعاتي تجاه الآخرين.
– أقاوم الحزن والوحدة: ربما عليّ أن أطور قدرتي على الانفتاح لاهتمام الآخرين.
– لدي متلازمة المحتال: ربما عليّ أن أدرب نفسي على التكلم أمام الناس.
– أعاني من الكمالية: ربما عليّ أن أطور التعاطف مع الذات.
– أعاني من الشعور بالذنب: ربما يلزمني أن أدرّب انتباهي بدل جلد الذات.
كل ما تحتاجه أن تدرك:
المشاعر القوية كالغضب والقلق ليست هي المشكلة، بل مؤشرات على مواطن ضعف نفسية أعمق لديك.
حلها ليس بتسكينها الظاهري بل باكتشاف هذه النقاط والسعي لتقويتها بالممارسة والصبر والقبول بالتحدي.
عافيتك النفسية مرآة لقوتك النفسية الحقيقية.



